الأربعاء 27 نوفمبر 2024

منال سالم

انت في الصفحة 31 من 80 صفحات

موقع أيام نيوز


لصالحه وكسب ثقة تهاني دون عناء فقط إن أشعرها أنه الشخص الجدير بذلك عليه فقط أن يتعامل معها بالحيلة والدهاء. في وداعة محفورة على ملامحه مال عليها هامسا في خبث
صدقيني ده هيفيدك وفرصة تتكلمي وتطلعي اللي جواكي من غير ما حد يراقبك.
رمقته بنظرة مستريبة فألح عليها بتصميم
من فضلك.
كالأفعى المجلجلة راح يفح سمومه في أذنيه بقدر معقول كلما سنحت له الفرصة بذلك ليوغر صدره أكثر ضده

ويجعله ينقلب عليه فلا يتخذ صفه مثلما كان يفعل قبل وقت سابق وبالتالي يظفر هو بالمكانة التي حرم منها طوال سنوات تفانيه في العمل. تأهب سامي في وقفته وقال بعدما وضع سماعة الهاتف الأرضي في مكانها مخاطبا والده باحترام
السكرتارية بلغوني إن مهاب وصل الشركة يا باشا.
دعك السيد فؤاد صدره الذي كان يشعر فيه بوخزات متفرقة وهتف بعبوس
كويس عشان أحاسبه على اللي عمله.
ابتسم من ورائه في نشوة عارمة وظل يردد عليه وعيناه تعبران عن كراهية مختلطة بالشماتة
لازم يعرف يا باشا إن عيلة الجندي فوق أي حد.
لم ينظر الأخير إليه كان مهموما بالأخبار غير السارة التي صډمته عن ابنه الذي ظن أنه سيخلفه في كل شيء ضاعف سامي من وتيرة شحنه ورفع غليل دمائه مضيفا ببغض صريح
وإنه مش بالساهل هتسامحه ده مش بس أساء لاسم العيلة ده لحضرتك كمان.
مقاومة هذا الألم الحاد كان مستحيلا شعر السيد فؤاد وكأن هناك من يحز ضلوعه بسنون خناجره الحامية. تشنج في جلسته وتقلصت يده الموضوعة على صدره في نفس اللحظة التي ولج فيها مهاب إلى داخل مكتبه ليستطرد ملقيا التحية عليه بتفخيم
فؤاد باشا!
صاح به سامي مهاجما إياه بغيظ
وليك عين تتكلم ولا كأنك عملت حاجة!!
رغم الكدر الظاهر في وجهه إلا أنه لم يرفع من نبرته عندما أخبره بتحقير
كلامي مش معاك إنت.
انفلتت صړخة موجوعة من والدهما أتبعها ذلك النهجان العسير في صدره. اندفع مهاب تجاهه هاتفا في لوعة قلقة
بابا.
قال السيد فؤاد بصعوبة وهو يضغط بقبضته المتشنجة على صدره
قلبي.
سأله سامي في جزع عظيم
إيه اللي حصلك يا باشا
كان على وشك هزه لولا أن أمره مهاب بصرامة قبل أن يدفعه للخلف
ماتحركوش واطلب الإسعاف بسرعة!
نظر له في ضيق فلكزه بخشونة في صدره ليأمره بهذه النبرة غير الممازحة
إنت لسه واقف يالا أوام.
اضطر على مضض أن يخرج من المكتب مسرعا تلبية لأمره بينما بقي مهاب ملازما لأبيه وهو يحاول طمأنته في جدية
اهدى يا بابا أنا موجود جمبك متخافش أزمة وهتعدي.
بغير همة أو اهتمام جلست معه لا تنظر تجاهه وتطلعت بنظرات شاردة لأفق لا يراه أحد سواها سيطر عليها ذلك الإحساس المؤنب بأن مجازفتها كانت في غير محلها بأن من اختارته لم يستحقها وأنها جنت فقط نتائج اختيارها السيء. كان في رأسها حوار لا ينقطع ولا يشاركها فيه أي شخص. كانت تهاني بين الحين والآخر تنظر إليه بهذه النظرة الحزينة فحاول ممدوح جرها لتبادل الحديث معه وقال بلطافة
اللمون هنا ممتاز.
أبقت على جمودها فأضاف ضاحكا
منعش جربيه مش هتندمي.
كان حائرا في أمرها وسعى بشتى الطرق لجذب انتباهها فلم يكن أمامه سوى التطرق لسيرته المزعجة وبالفعل تيقظت حواسها عندما تكلم بجدية طفيفة
أنا عاوزك ما تشليش هم حاجة ومتقلقيش من مهاب هو بس متمسك بيكي عشانه متعود إن محدش بيقوله لأ.
ضيقت عينيها إلى حد ما فابتسم في داخله لأنه نجح في إثاره اهتمامها ارتشف القليل من مشروبه وتابع
اعملي اللي عاوزه وهتخلصي منه بسرعة.
تحول وجهها إلى ناحية أخرى بعيدة عنه وصوتها المهموم يردد في خفوت
يا ريت.
مجددا استثار حفيظتها عندما تكلم بنزق وبلا احتراز
بس تعرفي أنا المفروض أشكره إنه خلاكي تثقي فيا.
حدجته بهذه النظرة المعادية فقال ملطفا الأجواء لئلا يفسد فرصته السانحة معها
مش عاوزك تفهميني غلط أنا حابب أكون في منزله الصديق ليكي.
صاحت في حدية
أنا معنتش بثق في حد.
قال مؤكدا لها ونظرة خبيثة تتراءى في عينيه
وأنا غير مهاب وبكرة الأيام هتثبتلك ده.
نقلت إليها الصورة السائدة بين عموم الناس في المنطقة الشعبية
وما يتم تداوله على هيئة شائعات مغرضة غرضها فقط تشويه سمعة هذه المسكينة من لا شيء وكأن الجميع قد تكالبوا ضمنيا على طحن ما تبقى من مشاعرها المحطمة بالمزيد من الإساءات الوضيعة إليها. لطمت عقيلة على خدها وهمست في حسرة وتعابير وجهها تؤكد هلعها
طب هنتصرف إزاي
بنفس الصوت الخفيض ردت عليها وعيناها توحيان بشيء خطېر
هو حل واحد وبس مقدمناش غيره!
نظرت لها مستفهمة بعينيها فتابعت بصوت يكاد يكون مسموعا لكونها تعلم أن ذلك الأمر حساسا للغاية
دخلة بلدي.
وقتئذ انفلتت منها شهقة مستنكرة ورددت في رفض مستنكر
يادي الفضايح! إيه الكلام ده
أخبرتها بتصميم وكأنه لا يوجد حل سواه
احنا معندناش اللي نخاف منه بنتنا أشرف من الشرف بس الناس ليها الظاهر.
هوى قلبها في قدميها وأحست بتلاحق أنفاسها اختطفت عقيلة نظرة سريعة نحو المطبخ لتتأكد من عدم سماع ابنتها لهذا الأمر المخجل بشدة ثم تساءلت في اضطراب شديد
وفردوس هتقبل بكده
بلا تعاطف قالت
ڠصب عنها لازما توافق!
بتحسر مټألم لطمت عقيلة هذه المرة على صدرها وهتفت في فزع
دي ممكن ترفض الجوازة أصلا وآ...
لم تدعها شقيقتها تكمل جملتها للنهاية حيث قاطعتها مشددة عليها
احنا مش هنجيبلها سيرة هنخليها لوقتها.
نظرت لها بغير اقتناع فتابعت
وبكده نبقى خرسنا كل الألسن اللي بتتكلم وعلى عينك يا تاجر.
كادت أن تفوه بشيء فأخرستها في التو بجملتها الحذرة وقد لمحت فردوس خارجة من المطبخ وهي تحمل في يدها طست الغسيل
ششش لأحسن بنتك جاية.
عم الصمت المريب بينهما فشعرت فردوس بوجود خطب ما بشيء يدور في الخفاء ربما له علاقها بها خاصة مع نظراتهما الغريبة ناحيتها وجهت سؤالها لوالدتها في استفسار حائر لعلها تخبرها بما ترتاب فيه
في حاجة يامه
اضطربت كليا ونظرت لشقيقتها في توتر ثم تصنعت الابتسام وردت بصوت مرتجف
لأ يا ضنايا.
همت بالتحرك وهي تتساءل
طب عاوزيني أعملكم شاي بعد ما أخلص نشر الغسيل
أجابتها خالتها بترحاب
أه يا ريت.
هزت رأسها بالإيجاب قبل أن تتابع المشي نحو الشرفة وهي تخاطب نفسها في تحير يخالطه الشك المستريب
بيتودودا في إيه دول يا ترى!!
يتبع الفصل الخامس عشر
الفصل الخامس عشر الجزء الأول
حيرة
كل ما سيطر عليها في لقائها المنفرد به بالقرب من مقر عمله هو التأكد من إقناعه بالموافقة على ما قررته بشأن ابنة شقيقتها غير مبالية بجريرة ما ستتعرض له هذه المضطهدة على نفسيتها المهم ألا تمس سمعة العائلة بسوء. أصرت أفكار على المجيء بمفردها فإذ ربما مع الضغط والحرج تتراجع شقيقتها وتصبح في موقف عسير لذا تجنبت كل ما قد يفسد خطتها وأطلعته عليه كأنها مسألة عادية مفروغ النقاش فيها! لولا كونهما في الشارع وحولهما عموم الناس لصړخ عوض استنكارا وتنديدا على ما أفصحت به. اشټعل وجهه بحمرة الڠضب ورمقها بنظرة حادة مدمدما في استهجان متعاظم
إيه الكلام ده يا خالة!!
ببرود مناقض له أخبرته بلهجة الذي يقرر مصائر البشر
ده اللي المفروض يتعمل.
أبدى رأيه صراحة ودون رهبة منها
أنا مش موافق عليه...
حدجته بنظرة منتقدة له فتابع مشددا بنفس الاستهجان
ده ما يرضيش ربنا نهائي.
خشيت أن يزيد إلحاحها من عناده فحاول اللجوء لحيلة المسكنة فخاطبته في صوت هادئ على 
استفزته بكلامها الأخير فقاطعها قبل أن تنهي ما بدأته
وأنا مالي ومال الناس بقى عاوزاني أغضب ربنا عشان أرضي الناس
ضغطت على شفتيها في امتعاض فسألها في شيء من الاستعطاف
والغلبانة دي ذنبها إيه تتعرض لحاجة زي كده
زرت عينيها بتدقيق فتابع على نفس النبرة المتسائلة في حمئة
وهي أصلا موافقة على ده
هتفت فيه بهجوم
الذنب من الأول ذنب أخوك واحنا بنحاول نلم الدنيا.
أحس بموجات من الضيق تغمره فهي لم تخطئ في إلقاء اللوم على عائلته ابتلع غصة مريرة في حلقه وظل مركزا نظره معها وهي لا تزال تكلمه
ومتقلقش احنا مطمنين من بنتنا بس يهمنا سمعتنا وشرفنا قصاد الغرب.
جاهد لإثنائها على رأيها فاستطرد بزفير محموم
يا خالة آ....
إيجاد المبررات والأعذار والتعلل بأي حجج لم يكن مطروحا في قاموسها لذا رفضت الإنصات إليه وقاطعته حاسمة الأمر
شوف من الآخر كده اللي قولتلك هيتعمل سواء كنت موافق عليه ولا لأ!
اتسعت عيناه حنقا فغضت بصرها عنه وأولته ظهرها استعدادا لذهابها قائلة بجمود
مش هعطلك أكتر من كده فوتك بعافية!
لا حول ولا قوة إلا بالله يعني مش كفاية اللي حصلها سابق نيجي نكمل على الباقي فيها!
حرك رأسه يمينا ويسارا وتابع في أسى بعدما اختفت من أمامه تماما
لطفك بينا يا رب!
لم يتوقف عن هز ساقه في توتر مشوب بالعصبية وهو يجلس بالخارج على المقعد المعدني في الردهة الخاصة بهذا المشفى الاستثماري الشهير. رفع يده أعلى رأسه ثم خفضها قليلا ليفرك مؤخرة عنقه وهو لا يصدق ما حدث في دقائق وكأن الحظ يعانده ويعطيه فقط أسوأ ما لديه كان على وشك الظفر بمكانة لا تقدر عند أبيه وحينئذ كان سيحظى بكل ما تمناه لنفسه الاهتمام الاحترام اعتلاء عرش العائلة المهيب لكن ضاعت أحلامه في لمح البصر وتحولت 
مكانش على البال إن فؤاد باشا يدخل يعمل عملية قلب!
عكس وجهه ما تخفيه نفسه فبدا كظيما ومغلولا وهو ما زال مستغرقا في تفكيره. ظل يكرر في غيظ حانق
لأ ومين اللي يبقى واقف مع طقم الدكاترة اللي جوا.. مهاب بنفسه!
كز على أسنانه مطلقا سبة خاڤتة قبل أن يتكلم بصوت خاڤت
مش لو كان اتأخر شوية كنت آ...
لم يستطع إتمام جملته من شدة غيظه وتساءل بملامح غائمة للغاية
طب أعمل إيه تاني عشان مايشوفش إلا أنا!!
توقف عن تفكيره التحليلي عندما وجد الباب الخاص بالتوجه لغرفة العمليات يفتح هب واقفا 
الحمدلله العملية عدت على خير شوية وهيتنقل العناية المركزة.
وكأنه لم يسمع ما قاله هاجمه دون مبرر بصوت حاد ومرتفع
لو جراله حاجة هتكون إنت السبب.
سدد له مهاب هذه النظرة المستخفة تركه يظن أنه المسيطر على الوضع إلى أن أخرسه بتعقيبه الصاډم
وإنت نفسك تخلص منه عشان تورث الإمبراطورية مش كده يا سامي
إنت بتقول إيه
بنفس النبرة الهادئة والملامح المستكينة أخبره مؤكدا
أنا أكتر حد فاهمك إنت زي الكتاب المفتوح قدامي!
ثم ربت على كتفه قائلا بصوت هازئ يحمل الإهانة في طياته
ومش عاوزك تشيل هم إني هاخد مكانك لأني مش زيك أبدا...
تابع مستني اللي يديني الأوامر!
وكأنه سكب فوق رأسه دلوا من الماء المثلج انتفض ثائرا في وجهه محاولا لملمة ما تبعثر من كرامته المهانة
لو بابا جراله حاجة هخليك ټندم سامع!!!
مجددا ربت مهاب على كتفه قائلا بشبه ابتسامة
مش هتقدر تعملي حاجة.
إنت متعرفنيش كويس يا مهاب.
تقدم منه شقيقه ومال عليه محدثا إياه في أذنه بنبرة جمعت بين السخرية والصرامة
بلاش تزعق إنت هنا في مستشفى وده بيقل منك يا كبير العيلة.
احتقنت نظرات سامي أكثر فما كان من شقيقه الأصغر إلى أن تركه يغلي في مكانه
 

30  31  32 

انت في الصفحة 31 من 80 صفحات